Blogمنوعات

أين تذهب أحلامنا بعد أن نستيقظ ؟

تفتح عينيك ببطء، الشمس تتسلل عبر النافذة، وفي تلك اللحظة الفاصلة بين اليقظة والنوم، تشعر أنك كنت للتو في عالم آخر. كنت تطير فوق غابة أرجوانية، أو ربما كنت تتحدث مع شخص رحل عن عالمنا منذ سنوات. لكن، بمجرد أن تضع قدمك على الأرض، يبدأ ذلك العالم في التلاشي مثل الضباب أمام الشمس، حتى يختفي تماماً.

هنا يطرح السؤال نفسه: أين تذهب الأحلام التي عشناها قبل لحظات؟ هل تُخزن في ركن مظلم من عقولنا؟ أم أنها تتبخر في الفضاء لتصبح جزءاً من وعي كوني أكبر؟ في السطور القادمة سنحاول الإمساك بطرف الخيط للإجابة على هذا اللغز.

أين تذهب الأحلام من الناحية البيولوجية؟

من الناحية البيولوجية، تشير الأبحاث حول لماذا ننسى أحلامنا إلى أن الحلم ليس “فيلماً” يتم حفظه على قرص صلب، بل هو نشاط عصبي مكثف يحدث غالباً في مرحلة النوم المسماة “حركة العين السريعة” (REM).

عندما نستيقظ، يفرز الدماغ كميات كبيرة من “النوربينفرين” و”الدوبامين” لاستعادة الوعي. هذه المواد تعمل كـ “ممحاة” كيميائية تمنع انتقال ذكريات الحلم من الذاكرة قصيرة الأمد إلى الذاكرة طويلة الأمد.

دماغنا ذكي جداً؛ فهو لا يريد خلط ذكريات “الطيران في الحلم” بذكريات “قيادة السيارة في الواقع”. لذا، قد تكون الإجابة البيولوجية لسؤال أين تذهب الأحلام هي أن الدماغ يقوم بمسح هذه الملفات فور الاستيقاظ لضمان استقرار إدراكنا للواقع.

رأي علم النفس: الأحلام لا تموت بل تعود لمنزلها

بالنسبة لعلماء النفس مثل “سيغموند فرويد” و”كارل يونغ”، فإن التساؤل حول أين تذهب الأحلام له إجابة مختلفة؛ فهي لا تذهب إلى أي مكان بعيد، إنها ببساطة تعود إلى العقل الباطن.

الحلم هو لغة العقل الباطن للتعبير عن مخاوفنا ورغباتنا المكبوتة. عندما تستيقظ وتنسى الحلم، فإنه يظل مخزناً في أعماقك، ويستمر في التأثير على مزاجك وقراراتك دون أن تدرك.

قد تنسى “أحداث” الحلم، لكنك تظل تشعر بـ “الشعور” الذي تركه. إذا كان حلماً جميلاً، ستجد نفسك مبتسماً طوال الصباح دون سبب واضح. هذا يعني أن الحلم ذهب إلى “مشاعرك” ولم يرحل تماماً.

نظرة فلسفية: أين تذهب الأحلام حين يغيب الضوء؟

بعيداً عن المختبرات والمعادلات، يمكننا أن نتخيل أن الأحلام هي “طيور ليلية” تسكن أرواحنا. عندما نستيقظ، لا تموت هذه الطيور، بل تطير عائدة إلى أعشاشها في “عالم الخيال”. لعل أحلامنا هي المساحة التي نتحرر فيها من قيود الجاذبية، والزمان، والمنطق.

يقول الأدباء في وصفهم لرحلة البحث عن أين تذهب الأحلام، أنها مثل “قصص لم تكتمل”. أين تذهب القصة حين يغلق الكاتب كتابه؟ إنها تظل موجودة في الفراغ بين الكلمات. هكذا هي الأحلام، تذهب إلى ذلك الفراغ الإبداعي الذي يلهم الشعراء، والفنانين، والمكتشفين.

كيف تمسك بطرف الخيط قبل ضياع الحلم؟

إذا كنت من الأشخاص الذين يحزنون لضياع أحلامهم، وتتساءل كل صباح أين تذهب الأحلام الجميلة التي رأيتها؟ يقدم لك خبراء النوم حلاً بسيطاً وهو “مذكرات الأحلام”.

إليك بعض الخطوات العملية:

  1. لا تتحرك فور الاستيقاظ: البقاء في نفس وضعية النوم يساعد في الحفاظ على تدفق الصور الذهنية.
  2. دوّن فوراً: اكتب أي كلمة، لون، أو شعور تذكره. هذه الكلمات تعمل كـ “خيوط” تجر وراءها تفاصيل الحلم من غيابات النسيان.

في الختام، الأحلام لا تذهب إلى العدم. إنها تذهب إلى تكويننا. نحن عبارة عن تراكم لكل الأحلام التي حلمنا بها ونسيناها. تلك الأحلام المنسية هي التي شكلت خيالنا، وزادت من تعاطفنا، وجعلتنا نؤمن أن هناك دائماً ما هو وراء الواقع الملموس. عندما تنساها، لا تحزن؛ لقد أدت مهمتها في ترميم روحك ورحلت بسلام.

المصدر
Scientific American (ساينتفيك أمريكان)Science Magazine (مجلة ساينس)Simply PsychologyPsychology TodaySleep Foundation (مؤسسة النوم الوطنية)

محمد بدران

كاتب متخصص في الشؤون المالية والتقنية ، مهتم بالسفر والسياحة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى